مولد النبي محمد (ﷺ) مولد لقيم الإنسانية. د.عبدالقوي القدسي

مولد النبي محمد

مولد النبي محمد
د . عبدالقوي القدسي 

تأتي ذكرى المولد النبوي الشريف، والأمة الإسلامية، وخصوصاً المنطقة العربية، تعيش تمزقاً، وحروبًا.

لم تَخْلُ هذه المناسبة من تباينات في وجهات النظر ، فما بين مُبَدِّع للاحتفاء بالمولد، وما بين من يعتبره عيداً دينياً كسائر الأعياد، وما بين محتفل، وبين مانع للاحتفال، والأخطر- من وجهة نظري- أن يعمد البعض لاستغلال المناسبة وتوظيفها سياسياً، وحزبباً .

كانت البشرية تهيم في ضلالها فتعطل العقل وعبدَ الإنسان الأحجار، وخاف من الجن ، وقدّس الحيوانات وقدّم القرابين للآلهة المصطنعة، فرفع الله شأن الإنسانية بميلاد النبي الخاتم محمد، وأخرجها من عبادة العباد، والحيوانات والجماد إلى عبادة الله الواحد الأحد.

سيطر الملأ من الناس على رقاب البشرية فأذلوها وحكموا باسم الإله تارة، وتارة أخرى بكونهم هم الآلهة، فجاء نبي الهدى ليرسخ مباديء العدل ، ويرسي قواعد الشورى ويعيد الوضع إلى نصابه، ويعطي الأمة الحق في اختيارحكامها، ومحاسبتهم وعزلهم، ويدحض زيف نظرية الحق الإلهي في الحكم .

مولد النبي(ﷺ) كان إيذاناً باُفُول عهد اضطهاد المرأة، وتحقيرها، فبعد أن كانت مجرد متاع ينتقل إلى الوارثين كسائر الأثاث رفع الإسلام قدرها، وكفل لها حقها في الإرث فأصبحت ترث نصف الرجل أحياناً، ومساوية له، أو أكثر منه أحياناً أخرى ، كما ضمن لها حقها في التعليم، والعمل، وجعل لها من الحقوق مثل الذي عليها من واجبات سواء بسواء.

مولد النبي (ﷺ) كان تبشيراً بعهد جديد يتساوى فيه السادة والعبيد، والقرشي واليثربي، والرومي والفارسي، عهدٌ تسوده المحبة، والإخاء، والسلام، والاطمئنان .

مولد النبي (ﷺ) كان مولداً لِقِيَم الخير من بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار والوفاء بالعهد، والصدق والأمانة ، والتعايش بين الأمم وغيرها من القيم الإنسانية؛ لذلك
فإن أعظم فرحة للمسلمين بمولد نبيهم تكون في اتباعهم لمنهجه، وتطبيقهم لمباديء الدين الذي عاش مجاهداً لنشره .

إن مجرد ترديد الأهازيج بمناسبة الميلاد، أو القصائد التي تتلى بمدح محمد(ﷺ) ليست كافية للتعبير عن الحب، وبالذات ونحن نشاهد اليوم انتكاسة حقيقية للأمة في تطبيق منهج النبوة أفقدت بعض المسلمين الثقة بدينهم .

العالم اليوم يحكم على السلوكيات والممارسات، لا على الزوامل والخطب، فهل يمكن أن نُقنع الآخرين بأن نبينا هو نبي الرحمة ورسول السلام ونحن نقتل نرفع شعارات الموت للأنام ، ونفجر دور العلم، والعبادة باسم الإسلام، وحتى أولئكم الذين فتحوا لنا بلادهم، ونعيش في كنفهم فإننا نتوعدهم بأيام تُحيل نساءهم إلى جواري، ورجالهم إلى عبيد؟!

يحتفل بعض المسلمين بالنبي (ﷺ) كَملكٍ يدّعون أحقيتهم في إرثه، أوكَسيّد يزعمون السيادة من بعده، وهم يمارسون في الواقع أبشع صور العنصرية والتخلف التي قضى النبي(ﷺ) حياته في محاربتها.

إننا بحاجة ماسة إلى العودة الحقيقية لمباديء ديننا الحنيف الذي جاء رحمة للإنسانية، لا عذاباً، سلماً لا حرباً، علماً لا جهلاً .

أن يتغنى البعض بحب النبي محمد(ﷺ) وهو يدمر في الواقع كل المباديء التي جاهد محمد (ﷺ) لإرسائها فذلك منتهى الإسفاف، والاستخفاف، وقد قال الله على لسان نبيه:” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم..”.

الإثنين (19) نوفمبر 2018

اضغط هنا لقراءة المزيد من المقالات

تعليق واحد

  1. صادق محمد صالح المنزلي

    رائع جدا ومتميز