نموذج “أكفا” للاستراتيجيات الفعالة AcFA Model for Effective Strategies Towards Wrong Doers

إن إحدى محركات السلوك هي المشاعر، سواءً أكانت إيجابية أو سلبية، حبًا أو بغضًا.ومن سمات الشخصية المتزنة والقوية والقيادية هي تلك التي تتحكم بالمشاعر السلبية، أو ما يسمى أحيانا بالضبط الذاتي Self-Control.
وقد درس آلاف الباحثين في العالم هذه الصفة تشخيصًا وعلاجًا، وأكدوا على أهميتها للأفراد، لاسيما فيما يتعلق بتفاعلهم وعلاقاتهم الإيجابية وحياتهم مع الآخرين. ومن المشاعر السلبية والتي تؤثر على السلوك غير المرغوب الغضب أو الغيظ. كما ونجد في كتب التنمية الشخصية وسمات الإداريين أو القادة التحكم بالغضب واستراتيجياته، وغيرها من المصطلحات.
وفيما يلي سنتطرق إلى شرح نموذج متميز لاستراتيجيات إدارة الغضب، وهي تتكون من خلال تبني ثلاث استراتيجيات مترابطة ومتتابعة، وكل واحدة تلي التي تسبقها، إلى أن تصل إلى أفضل الاستراتيجيات، التي ينبغي تبنِّيها؛ حتى تكون علاقة الفرد مع الآخرين صحيَّة. والاستراتيجيات هي كالآتي:
أولًا: استراتيجية كظم الغيظ (Anger Control Strategy) :
وهذه أول الاستراتيجيات. ويختلف مفهوم كظم الغيظ عن الغضب. فالغيظ لا تَظْهُر ملامحه وآثاره على جوارح الإنسان عكس الغضب. في حين أن كظم الغيظ يشير إلى حبسه في الداخل، دون أن تُظْهِر ملامح الوجه أية آثار لهذا الألم الداخلي.
وبالطبع حتى يكون الحبس أو الكظم مقدورًا عليه، فعلى الإنسان أن يستشعر الأجر من الله؛ سعيًا في تقديم مشاعر الآخرين على مشاعره الخاصَّة، وهذه تمنحه طاقة إيجابية في القدرة على الكظم. إضافةً إلى أن المُسيء يمثل شخصية ضعيفة، فيتعالى المُساءُ إليه عن هذه النقائص، ولا يَقبَل على نفسه الرد على مثل هذه الإساءات؛ لأنها ستقلل من شأنه. ويعتبر كظم الغيظ مستوى راقٍ من التحكم، ولا يقدر عليه إلَّا من كانت شخصيته قوية، وتعلقهُ بالله كبير، ولديه مشاعر الإيثار والتضحية في تقديم الآخرين، فتصبح المشاعر السلبية مَشَاعِرًا إيجابية. ولتقريب هذا المعنى، مثلًا: تجد الأب والأم ينظران إلى سلوك أطفالهم بمتعة بالرغم من أنه يكون أحيانا غير سليم، ولايتألمان؛ لأنهما ينظران إليهم أنهم ضُعَفاءً، وغير ناضجين، فيشفقان عليهم.
والإنسان يواجه -بغض النظر عن وظيفته- كثيرًا من المنغصات والاستفزازات والمناكفات والظلم والأخطاء التي ترتكب ضده، ومع ذلك إذا كان الهدف هو استمرار العلاقات الإنسانية والاجتماعية، وتعزيز اللحمة بين الناس؛ فينبغي العمل على إزالة عوائق إعادة اللحمة، من خلال تبني استراتيجية كظم الغيظ، علمًا بأن الفرد قادر على رد الصاع بصاعين، ولكن بالنظر إلى العواقب الاجتماعية والإشفاق على ضعف المسيء والرغبة في تصحيح إساءته بطريقة حكيمة وإيجابية يجعل المُسَاء إليه يتصف بهذه الصفة المتميزة في علاقاته مع الآخرين، وهي كظم الغيظ.
ثانيًا: استراتيجية العفو (Forgiveness Strategy) :
وبالرغم من أن كظم الغيظ سمة عالية من سمات الشخصيات الناجحة، إلا أن هناك مستوى أعلى من سمات الشخصية تجاه ما يُواجِه من إساءات من قبل الآخرين له، ألا وهي سمة العفو. ولا يستطيع ممارستها إلا من تَميز بشخصية مقتدرة وفعالة، لاسيما وأغلب الناس قد يتمكن من الصبر في التحكم بمشاعر الغضب، إلا أنه يجد المشاعر السلبية صعبة في أن يعفو عن من أخطأ في حقه أو أساء إليه. لكن الشخصية المتميزة والناجحة في العادة تتبنى العفو والمسامحة؛ ليرحم ضعف المسيء إشفاقًا عليه، ويمنع منه الشعور بالذنب لخطئه وإساءته، وبهذا يكبر في أعين الناس، ويمثل قدوة في أخلاقيات التعامل مع الناس -كل الناس- بغض النظر عن ثقافاتهم أو ملتهم.
ثالثًا: استراتيجية الإحسان (Assistane Strategy)
أما هذه الاستراتيجية هي أعلاهن -وقليل مِمَّن يتمكنون من تحقيقها- ألا وهي الإحسان. وصفة الإحسان للناس هي: السعي لإيصال المنافع، سواء بتحقيق المصالح أو درء المفاسد، وحمايتهم من الأضرار التي ستلحق بهم. ففي الوقت الذي يسيء إليك شخص، فأنت تواجه ذلك بكظم الغيظ أولًا، ثم بالعفو عنه، وأخيرًا بالإحسان إليه . ودائما الشخصية المتميزة شخصية إيجابية، ولا تَحْمِل مشاعر الحقد على الآخرين، بل تسعى إلى مساعدتهم على تصحيح أخطائهم نحو الآخرين بطريقة إيجابية.
ولا داعي لأن أقدم الأمثلة في القديم والحديث، لشخصيات تميزت بهذه السمات، وتبنت هذه الاستراتيجيات، وكانت رمزًا للتميز والنجاح. لكم أن تتصوروا معي كيف لو كان كلٌ منَّا في أي موقع، أكان معلمًا، أو مهندسًا، أو طبيبًا، أو محاميًا، أو إداريًا، أو قياديًا في أي مجال كان أو موقع، يتعاملون باستخدام هذه الاستراتيجيات المتتابعة -آنفة الذكر-، نحو من يسيء إليهم.
● كيف ستتعزز العلاقات عندئذ؟!
● وكيف ستتقوى الأواصر وتقوى مشاعر الحب والامتنان بين الناس؟!
لاغرو بأن الناس سيقومون بتصحيح أخطائهم وإساءاتهم للآخرين؛ لأنهم لاحظوا شخصيات قدوة في التعامل مع المسيء إليهم.
خلاصة الأمر…
جميع الاستراتيجيات السابقة تتطلب مجاهدة للنفس في تبنيها، والعمل على اكتسابها بالدربة، أي: بالتدريب؛ حتى تصبح عادة.
الكظم والعفو والإحسان هي الاستراتيجيات المطلوبة والمرغوبة التبنِّي؛ للحفاظ على العلاقات الإيجابية، وتصحيح الأخطاء دون لوم أو عتاب أو مشاجرات أو صراع سواء داخل الأسرة أو مع الجيران أو داخل المؤسسات أو المجتمع عمومًا.