التربية العملية Experiential Learning

قد ينصرف ذهن الكثيرين من التربويين إلى أن المقال سيتناول الفعاليات المتصلة بإعداد المعلم، والحقيقة أننا سنتحدث عن التربية العملية لتلاميذ المدارس العامة، والتي من خلالها يُطبق التلاميذ ما يتعلمونه عملياً تحت إشراف معلميهم .
التربية العملية( learning by doing) التي رفع شعارها ” ديوي” مطلع القرن العشرين، تعتمد على إكساب التلاميذ الخبرة عن طريق القيام بأعمال شخصية. ولا شك بأن المزاوجة بين العلم والعمل يحقق نتائج مذهلة ، وهذا ما تؤكد عليه النظريات التربوية، ومن قبلها نصوص القرآن والسنة.
يقضي التلاميذ في المدارس خمس ساعات يومياً -تقريباً- وينهلون من مختلف العلوم والمعارف، فما نسبة التطبيقات العملية إلى الدراسة النظرية ؟!! وما نسبة ارتباط محتوى الكتب المدرسة بحاجات التلاميذ العصرية؟!!
عندما سأل إبراهيم ربه قائلاً:”
ِّ «أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» عندها جاء التوجيه الرباني العملي :«قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا “(البقرة: 260) . وعندما عجز ابن آدم الأكبر عن دفن أخيه المقتول بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سَوْءة أخيه فكان التعليم عملياً هو الأجدى والأنفع.
نقلت الأجيال علومها لأبنائها عن طريق التربية العملية، فتعلم الأبناء من الآباء الحِرف، والدِّين، والعادات والتقاليد، واللغة والفنون حتى ارتبطت أسماء العديد من الأسر بالحرف، والمهن المتوارثة من الآباء والأجداد.
صح عن النبي القول:”صلوا كما رأيتموني أصلي” [البخاري] وقوله:”خذوا عني مناسككم”[البيهقي] ووصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها:” كان خلقه القرآن”[مسلم] وبذلك أخذ أصحابه الدين عنه عملياً، ونقلوه لغيرهم .
تتجه التربية الحديثة اليوم إلى التركيز على الجانب العملي، فالدولة تحدد أهدافاً عامة بناء على احتياجاتها، وتقوم بتوجيه المدارس لتحقيقها، وتعمد بين الحين والآخر إلى مراجعة تلك الأهداف وتطويرها وتحديثها، فما يُعد اليوم حديثاً يكون في الغد قديماً، واستغنت بعض دول العالم المتحضر عن المنهج المكتوب( المحتوى) لتترك للمدرسة حرية اختيار ما يتناسب مع تحقيق الأهداف المرسومة .
ما الذي يحدث في بلادنا؟ وما الذي يمارس في مدارسنا؟!! وهل للتربية العملية قوة تسندها أو ركن شديد تأوي إليه ؟!!!! ام أن التربية والتعليم النظري ألقى بظلاله على التربية، وهيمن على كل شيء ؟!!!
إلى متى نظل معتمدين على التربية النظرية، ونعيد طباعة الكتب على نفس المنهجية؟!!
أبناء المدارس الحكومية يحفظون شروط واركان الصلاة، لكنهم لا يُصلون، وإن صلى البعض فالغالب أنهم لا يحسنون الوضوء ولا الصلاة!! ويتعلمون اللغات، ولكنهم يتخرجون وهم لا يحسنون الحديث بالعربية ناهيك عن الإنجليزية،وقِس على ذلك بقية المواد الدراسية، فأين تكمن المشكلة وأين الخلل؟!!!!
“التربية العملية” تعني أن يتعلم الإنسان ما يحتاجه، وأن يمارس ما يتعلمه، وعلى ضوء هذا المفهوم فإنه يجب إعادة النظر في كل المقررات الدراسية، ولعل الإجابة عن سؤال مهم، وهو : ماذا نريد؟!!! يختصر لنا الكثير.
عطفاً على ما سبق، لماذا تنجح الجماعات الآيدلوجية على صبغ الفرد بصبغتها خلال فترة وجيزة من انتمائه لها، في حين تفشل مناهج التربية في تحقيق ذلك خلال ما يربو عن عقد من الزمان؟!! ولماذ يكافح البعض حتى الممات دفاعاً عن فكرة قد تبدو سخيفة في نظر الكثيرين منا، بينما الانتماء للوطن والكفاح من أجل استقراره وتنميته هو آخر ما يفكر فيه البعض؟!!
عشرات المقررات الدراسية ومئات الساعات المُكرسة للتعليم، وعشرات الآلاف من المعلمين، وآلاف من المباني إن كانت لا تعير الجانب العملي أي اعتبار فالأفضل توفير النفقات عليها، وتقديم المحتوى عبر شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي ، ولعلنا نحصل على النتيجة نفسها وربما أفضل!!!!!!
الخميس ٢١ فبراير ٢٠١٩