التربية والتعليم، واقع مؤلم ومستقبل منشود

التربية والتعليم، واقع مؤلم ومستقبل من شود
د.عبدالقوي القدس

يخطئ البعض عندما يخلط بين مفهومي التربية، والتعليم ويتعامل مع اللفظين كما لو كانا لفظاً واحداً.

التعليم عملية منظمة تهدف إلى إكساب المتعلمين خبرات حياتية، ومعارف مختلفة، بينما التربية هي عملية تكييف بين الفرد وبيئته كما جاء في تعريف جون ديوي، والتربية -من وجهة نظري- تنمية مستمرة تستهدف إعداد الفرد بما يتوافق مع فلسفة المجتمع، وقِيَمه، ويحافظ على هويته، وتميُّزه

توجد في بلادنا ضمن تشكيلة الحكومة وزارة تُسمى بـ “وزارة التربية والتعليم ” ، وهذه الوزارة مَعْنية بتحقيق هدفين كبيرين، هما : التربية أولاً والتعليم ثانياً، أو العكس ، وموقع “التربية” قبل “التعليم” ربما يدل على تقديم الأولوية في الاهتمام للتربية ، فالأهم يأتي أولاً.

كيف يمكن تحقيق “التربية والتعليم” ؟ وهل بلادنا في وضعها الاستثنائي اليوم، او الطبيعي بالأمس حققت الهدفين الكبيرين؟ وما السبل لتحقيق ذلك ؟!

يمكن أن ننقل للمتعلم معلومات كثيرة حول النظافة أو احترام النظام، ولعله حفظها وحقق فيها درجة الامتياز، والسؤال هنا، هل هذا هو الهدف؟ أم أن تحقيق التربية وتحويل تلك المعرفة إلى سلوك هو الأهم؟! أم أننا يجب أن نحقق الهدفين معاً؟!

حتى تحقق الوزارة أهدافها التربوية والتعليمية ، فلا بد من فرز رجال للتربية يتمثلون تلك الأهداف والقيم العليا التي يطمح المجتمع لتحقيقها، فلا يمكن لمن يفتقر إلى التربية أو التعليم أن يربي غيره أو يعلمهم، ففاقد الشيء كما يقال لا يعطيه.

تصدَّر للتربية والتعليم غير الأكفاء والمؤهلين، وأقصر طريق للحصول على عمل هو طريق التربية والتعليم، والمناصب العليا في التربية لا تخضع لمعايير علمية أو وطنية ، وهذا لا يعني بأن التربية تفتقر إلى كوادر مؤهلة، ولكن -للأسف- ليس لتلك الكوادر المؤهلة والصادقة تأثير ، وليس بيدها قرار!! واكتفت بمسايرة الواقع ، وكتم زفرات الألم ، فالتعبير عن الألم هو في حد ذاته فعل مُجَرَّم عند هؤلاء !

تابعتُ منشوراً -ذات مرة – لمسؤول كبير في التربية، والمنشور مكون من ثلاثة أسطر فقط ، ولكنه يحوي ما يقارب من عشرة أخطاء بين إملائية ونحوية، وكان تعليق أحد المتابعين ، إذا كان هذا هو مستوى المسؤول الكبير (…) فالعذر كل العذر لأبنائنا الصغار؟!!!

عندما تغيب الأهداف العليا للتربية عن الوزارة المعنية فإنها -أي الوزارة – تنحرف بوصلتها ، وتتجه نحو قضايا جانبية، وتُركز على أمور شكلية، وتؤسس للفساد ، وتتصدر في الجباية، وتصبح مظلة للفساد، وحامية للمفسدين .

المتخرج من كلية التربية يطلق عليه في لغة التربويين “تربوي”، وأنا أرى بأن هذا ليس كافياً، فالتربية عملية شاملة مستمرة، وتهيئة الفرد ليكون مربياً لا يكون عبر دراسة مجموعة من المواد التربوية في الكلية، فكم واجهنا من هؤلاء الخريجين من يكون قدوة سيئة، وأداة تدمير للأخلاق والقيم؟! وليس له والحال هذه من تسميته “تربوي”إلا الاسم ؟!! وصدق الشاعر حيث قال:
سمّتك أمك عزالدين، لا …كذبت
والله ما فيك لا عزّ ولا دين.

لا بد من استمرار التوجيه والإرشاد للمربين والعاملين في حقل التعليم؛ ليقوموا بأداء رسالتهم التربوية والتعليمية، ولا ننخدع بتسمية”تربوي” بل يجب تأهيل التربويين، وأما أن يتولى التربية من لا يَمُتُّ إليها بصلة فهذه هي الكارثة!!!

نقابل مسؤولين يُوصَفون بالكبار على مستوى الوزارة، وهم لا يفقهون من مسؤوليتهم سوى بدل السفر، والمكافآت والجباية، باسم القانون حيناً، وخارج القانون أحياناً أخرى، أمثال هؤلاء هم من يحركون عجلة التربية والتعليم اليوم للأسف !!!!!!

حتى تستطيع بلادنا المنكوبة تجاوز بعض مشكلاتها المستعصية فلا بد أن تولي ملف التعليم عناية فائقة ، ولا ينبغي أن يخضع هذا الملف للحسابات السياسية ، ولا للعلاقات الحزبية والروابط القبلية ، فهذا الملف -من وجهة نظري – هو واحد من أخطر الملفات في البلاد ، وكم أرجو أن تتجه أنظار الكُتّاب، وقادة الرأي، والباحثين، والوطنيين والشرفاء إلى وزارة التربية والتعليم، فالتعليم بوابة النهوض وأساس البناء للمستقبل المنشود.

الثلاثاء ٣٠ يوليو ٢٠١٩