
وضع ثورندايك (Edward Thorndik ) قطة جائعة داخل صندوق مغلق، ووضع الطعام خارج ذلك الصندوق، ويستحيل على القطة الوصول إليه إلا بفتح الباب، وفي سبيل ذلك فيجب عليها سحب حلقة أو الضغط على رافعة لفتح الباب .
في البداية ، تحركت القطة بشكل عشوائي داخل الصندوق ؛ بدأت بعضّ القضبان ، وارتطمت مراراً بجوانب الصندوق، بعد عدة دقائق ، قامت القطة بسحب الحلقة عن طريق الخطأ، فتمكنت من الخروج، وتم إعطاؤها قطعة صغيرة من الطعام.
وُضعت القطة داخل الصندوق مرة أخرى، وهذه المرة، استغرقت وقتاّ أقل لسحب الحلقة.
استمر التمرين مرارًا وتكراراً، وقد لوحظ أنه كلما زاد عدد التجارب ، انخفض الوقت المستغرق لسحب الحلقة، وعندما انخفض زمن الاستجابة، تعلمت القطة الخدعة أخيرًا، ثم سحبت الحلقة بمجرد وضعها في الصندوق وتمكنت من الخروج؛وبذلك وضع ثورندايك نظريته “التعلم بالمحاولة والخطأ” لتشمل الإنسان والحيوان معاً.
[ثورندايك، ذكاء الحيوان].
نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ نظرية جديرة بالتطبيق والتطوير، ففي حياتنا العملية، نمر بالكثير من المشكلات، ونقع في الكثير من الأخطاء عند اتخاذنا للقرارات، وهذا الأمر يجب أن يكون في إطاره الطبيعي ، ولكن غير الطبيعي هو أن لا نتعلم من الخطأ، أو أن يدفعنا ذلك الخطأ إلى الإحباط وعدم المحاولة مرة أخرى.
هناك صنف من أبنائنا يفضلون الانكفاء على أنفسهم، وعدم المبادرة أو الحديث؛ لخشيتهم الكبيرة من الخطأ، أو لردات الفعل غير التربوية عند حدوثه، فبمجرد أن يضحك التلاميذ عند وقوع أحد زملائهم في خطأ، أو التعليق السلبي من المعلم، كفيل بإلجامه عن الحديث أو المحاولة لاحقاً.
يجب على المعلم أن يرسخ في أذهان تلاميذه بأن الخطأ والمحاولة كفيلان بالوصول إلى الصواب، وهل كان اكتشاف الكهرباء والوصول إلى التكنولوجيا إلا بعد كثير من محاولات الخطأ؟!!!!
إذا قال لك ولدك أو تلميذك: لا أستطيع، فقل له : حاول مرة أخرى وثالثة ورابعة ولا تمل حتى تصل إلى الاستطاعة .
أعرف زميلاً كان يجد صعوبة كبيرة في تعلم اللغة الإنجليزية، ويخشى أن يتحدث حتى لا يضحك عليه زملاؤه، لكنه بعد إنهاء المرحلة الثانوية قرر أن يتعلم اللغة، وفي سبيل ذلك سجل في كلية اللغات قسم اللغة الإنجليزية، وظل يحاول إتقان اللغة حتى أصبح بارزاً فيها، ثم أسس بعد ذلك معهداً لتعليم اللغة الإنجليزية، وأصبح مرجعاً يؤمه الكثير لأغراض التعلم والترجمة .
اولادنا الصغار يتعاملون مع أجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة والأنترنت أفضل منا، والسبب في ذلك محاولاتهم المستمرة، وحب الاستطلاع !!
يحكي لي أحد الأصدقاء بأن أباه بعثه من إحدى القرى في تعز إلى صنعاء وهو في سن الثانية عشرة ، زوده والده ببعض الإرشادات ليقطع مسافة تربو عن : (٢٥٠) كم، وعليه في سبيل ذلك أن يتنقل عبر أكثر من سيارة، ويمر على أكثر من مدينة؛ ليصل إلى مكانٍ لا يعرفه من قبل، سافر صديقنا، ووقع في أخطاء كثيرة ومرت به أوقات عصيبة – حسب وصفه – حتى وصل إلى غايته، لكنه في المرات القادمة أصبح السفر بالنسبة له أمراً معتاداً.
المتعلم هو محور العملية التعليمية، ولذلك فلا بد أن يدفع المعلم تلاميذه نحو التعلم في حجرة الدرس، وأن يعزز ثقتهم بأنفسهم ، وأن يشجعهم على المحاولات، وأن لا يعنفهم عند الخطأ، وأن يعالج أخطاءهم بكل حكمة ، بعد أن يدفعهم إلى اكتشاف تلك الأخطاء بأنفسهم .
الخميس ٢٤ أكتوبر ٢٠١٩