التفكير الناقد في مناهجنا

التفكير الناقد في مناهجنا التعليمية د.عبدالقوي القدسي

التفكير الناقد
        د.عبدالقوي القدسي

لا تزال تعيش أحلامك الوردية، نحن اليوم نبحث عن كتاب، نتوق إلى يوم دراسي منتظم، المعلمون في أسوأ حالاتهم، بلادنا تعيش حرباً، وحصاراً، جماعات مسلحة، مذهبية ومناطقية تُحكم سيطرتها على البلاد ، كل هذا وأسوأ مما يمكن أن تتصوره هو واقع بلادنا، وأنت تتحدث عن التعليم والمناهج ، وتعيش جمهوريتك الأفلاطونية، والآن تُطل علينا بموضوعك ” التفكير الناقد ” نريد أن نعيش، نعم ، نعيش ، ما لنا وللتفكير الناقد يا دكتور ؟!!!! [لسان حال بعض القُراء، والمتابعين].

عبارات الثناء في حقك غير كافية أيها الناقد اللبيب، فقد أحسنت بهذه الأسئلة رسم المقدمة، فما التفكير الناقد الذي ندعو إليه؟!!

“التفكير الناقد” تفكير منطقي،تأملي، يرتكز على اتخاذ قرار عما يجب اعتقاده أو عمله (Ennis&Cf.Norris) [التفكير الناقد ، آلك فِشر].
فهو إذاًعملية عقلية تهدف إلى إصدار الأحكام، ودعم تلك الأحكام بالأدلة والبراهين وتعليلها منطقياً، وهذا يعني بأننا أمام محاورة حقيقية لكل رأي، أوفكرة تعرض علينا في واقع حياتنا، وليس سوى “الحقائق” مُحَصّنة من النقد، فالتعرف على الإنسان من بصمة أصابعه، والكلب من بصمة أنفه حقيقة علمية(scientific fact)، بينما الحكم على أخلاق إنسان، أو الجمال والقُبح، أو الذوق مجرد آراء(Opinions) خاضعة للنقد والحوار .

ما علاقة التفكير الناقد بمناهجنا التعليمية؟!

مناهج التعليم اليوم هي المَعنية بصياغة الجيل بما يتناسب مع رؤية، وطموح المجتمع، فإذا أردنا جيلاً مفكراً فعلينا إتقان صياغتها منطقياً.

التفكير الناقد يحرر العقل من الخرافة، والتسليم للدجالين، وينزع القداسات البشرية المصطنعة، ويقف في وجه التحيز المعرفي والمرجعي ، والتعصب المذهبي أو السلالي، وبالتفكير الناقد يمكن تكوين ثروة علمية، ومعرفية تتجاوز التوقعات.

مناهجنا التعليمية يجب أن لا يقتصر دورها على نقل المعرفة، بل ينبغي أن تعمل على تطوير مهارات المتعلمين النقدية، وتُنمي خيالهم العلمي، وتزرع فيهم الثقة بأنفسهم، والشجاعة في تقديم أفكارهم، ورؤاهم .

يجب أن تُفَرِّق مناهجنا بين الحقائق والآراء، وأن تدرب المتعلمين على نقد كل ما كان من قبيل الآراء وفق المنهجية العلمية.

يذهب Michael kallet في كتابه فكّر بذكاء (Think Smart) إلى أن التفكير الناقد لا يعني جعل الناس أكثر ذكاءً، لكنه يساعد على إنتاج حلول عالية الجودة، والتفكير الناقد -من وجهة نظري- يُكسب الأشخاص مهارات غاية في الأهمية، ومن تلك المهارات : العقلانية، الدقة، الارتباط، الصحة المنطقية، فالتفكير الناقد يقتضي فحص الرأي ودراسة الحجج، ومنطقية المقدمات، وصحة الأدلة والبراهين، واتساق الاستنتاجات مع المقدمات، والمفكر الناقد يكون أكثر قدرة على توليد حلول للمشلات أكثر فعالية، وكفاءة.

إذا اكتسب أبناؤنا مهارات التفكير الناقد، فإنهم سيكونون أصلب عوداً وأكثر قدرة على مواجهة التحديات، ونبذ الآراء المتطرفة، وتقييم الأفكار، وتقويم الاعوجاج.

كيف قَبلت بعض المجتمعات بفكرة التفاضل بسبب الدم أو النسب ؟! وكيف انتشرت ثقافة اللطم، والقداسة، والسحر والشعوذة، والخرافة ؟!! بل كيف وصل الحال إلى التسليم المطلق لما يخالف المنطق والعقل، والطاعة العمياء لما يُعرف برجال الدين أو المرجعيات؟!!!

ناقش بعض المسلمين النبي (ﷺ) – كما جاء في الروايات- في بنود صلح الحديبية حتى قال قائلهم :”علامَ نعطِ الدنية في ديننا” وعندما فكر النبي (ﷺ) أن يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة لكسر الحصار عنها في معركة الأحزاب، أبدى زعماء الأنصار معارضة للفكرة، وفي الحالين يظهر بجلاء الممارسة العملية للتفكير الناقد، ولم تمنع المسلمين من ممارسته هيبةُ النبوة، أو مكانة النبي (ﷺ) كما أن ذلك النقد لا ينال من تلك المكانة، أو ينتقص منها .

لو امتلك أبناؤنا مهارات التفكير الناقد لدحضوا بأنفسهم ما أشرنا إليه من خزعبلات، ولو امتلك أبناؤنا مهارات التفكير الناقد لتقلصت مساحة الجهل ، ولأَجْدبت تلك الأرض التي تُنبت مجرد أتْباع، وإمّعات، وببغاوات ، ووقود للحروب، وحمَلة مباخِر، ولنُسفت عبارة ما أريكم إلا ما أرى، فهل سنشهد في مستقبل الأيام مناهج تعيد للعقل الاعتبار وترفع من شأن التفكير والنقد؟!!
دعونا ننتظر