التفكير الناقد، خطوة.خطوة
Understand the Basics. Recognize Thinking Errors. Find and Evaluate Information. Draw Conclusions. These are the steps we will take when we think critically about something. We will learn more about each individual step now!

التفكير الناقد،خطوة.خطوة Critical thinking, step by step د.عبدالقوي القدسي

 التفكير الناقد، خطوة خطوة
   د.عبدالقوي القدسي

بادئ ذي بدء، دعونا نتفق بأننا نعاني جفافاً معرفياً بأهمية التفكير الناقد، وتولّد بسبب ذلك قسوة في التعاطي مع الرأي الآخر، وغلظة أثناء محاورة الأفكار، ولو تابع أحدنا برنامجاً حوارياً، كالاتجاه المعاكس مثلاً، لأصيب بالدهشة، وهو يتابع المتحاورين العرب -تحديداً- وقد انتفخت أوداجهم واحمرت وجناتهم، وارتفعت أصواتهم عند تعارض الأفكار.
قد يتحول الحوار -أحياناً- إلى عراك بالأيدي، وركل، وصَفع . إن كان هؤلاء المتحاورون هم طليعة القوم، ومفكروه، وهذا سلوكهم، فكيف يكون الحال لدى غيرهم من البسطاء وعوام الناس ؟

قبل الحديث عن خطوات التفكير الناقد، يجب الإشارة إلى أن هناك جملة من الأساسيات ينبغي الإيمان بأهميتها، والإلمام بها، ومن ذلك :
١- يجب التمييز بين الحقائق( facts)، والآراء(opinions) ، فلن يختلف اثنان على أن السماء زرقاء، ولكنهما سيختلفان -حتماً- في تفضيل اللون الأزرق على غيره من الألوان.
٢- نسبية الصواب والخطأ، إذ لو انطلقت من إطارك النظري، وعقلك اللاواعي بأنك تمتلك الحقيقة المطلقة، فإنك تكون قد أغلقت على نفسك كل نوافذ المعرفة، ولن تصل في حوار الأفكار إلى نتيجة، لا تنس العبارة المنسوبة للشافعي:” قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب”.
٣- الشجاعة على تغيير الأفكار، فالكثيرون يؤمنون بأهمية تغيير الأفكار لكنهم يعجزون عن التحرك خطوة في اتجاه التغيير، أو ترتعد فرائصهم عند مواجهة الناس لأفكارهم التغييرية .

ألتقي بالعديد من الناس في ماليزيا، أسألهم عن سبب تواجدهم، فيجيبون، نحن -فقط- ننتظر موافقة السلطات الأمريكية على دخول أراضيها، الكثير من هؤلاء يشتمون أمريكا ويصفونها بأقذع الأوصاف- ولهم الحق في ذلك – ولكن، ألا يُعد ذلك تناقضاً واضحاً، وازدواجاً في الشخصية؟!!!
٤-يجب على الناقد تمحيص البراهين والأدلة، فليس للآراء عصمة، وليس كل دليل كافٍ للتسليم بحجيّته .
٥- البُعد عن الشخصنة.
من الطبيعي أن يتحول الحوار من حوار نُقَّاد إلى حوار طُرشان عند حرفه عن الفكرة والتركيز على مصدر الفكرة أو صاحبها .

حتى يستطيع أن يمضي المرء في التفكير الناقد، فعليه أن يسلك خطوات ثلاث :
الخطوة الأولى: تمييز الحقائق من الآراء، وهنا سنكتشف أن كثيراً من الأمور التي نتعصب لها ليست سوى آراء نُقدسها بدون وعْي، وبالذات تلك الآراء الدينية في القضايا الخلافية، وبقليل من التفكير نكتشف بأنه لو كان ما نتبناه حقائق مطلقة لما تعددت فيه الآراء.
ثانياً: استعراض حجج الغير، وتقييم الأدلة والبراهين، فقد يتحذلق البعض، ويبرهن على آرائه بالعديد من الأدلة، ويسوق الكثير من التعليلات والتبريرات، مما يوهِم بصوابية آرائهم، ولكن، ليس كل دليل يصلح لأن يكون حجة مُعتبرة، وقد تحتوي الكثير من الأدلة على خُدع لفظية أو تلاعب بالمعنى .
ثالثاً: إصدار الحكم واتخاذ القرار. بعد ان تكون قد تأكدت بأن الموضوع-محل النقاش- رأي لا حقيقة، واطلعت على الأدلة والحجج، فالخطوة التالية، والأخيرة تكون في تحديد اتفاقك أو اختلافك مع وجهة النظر المعروضة، ويكون الحكم بناء على التحليل والتمحيص، وليس على العاطفة، والهوى .

كم نسبة الحقائق مقارنة بالآراء في مناهجنا التعليمية، وفي حياتنا اليومية ؟!!
هل نتيح لأبنائنا فرصة الاعتراض على قراراتنا وآرائنا ؟! وهل تتاح مساحة للنقد في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية، والوطنية؟!!

ألا يُعد الطالب الصامت، والموظف الخاضع، والسياسي الخانع، والمرأة مسلوبة الإرادة، والعابد المنعزل عن واقع الحياة، والصحفي المتزلف لذوي المال والسلطة، ألا يعد هؤلاء، وغيرهم من الذين يسلكون طريقهم هم النماذج الصالحة في المجتمع؟!!!!

إزالة القداسة عن الآراء خطوة مهمة للتفكير الناقد، ولعلنا نقع ضحايا لتزييف عميق وتغييب للعقل مريع عندما نعتقد بأن نقد رأي الحاكم خيانة للأوطان، ونقد رأي رجل الدين استهانة بالدين، ونقد رأي المدير فيه تهديد للعمل والعاملين، فالحاكم حتماً ليس هو الوطن، ورجل الدين ليس هو الدين، ومدير المؤسسة لا يساوي المؤسسة،وآراء هؤلاء وغيرهم ليست مقُدسة، والنقد سلوك حضاري يسهم في البناء، ويؤسس للتنمية .

http://yecm.net