اليمن والنهضة المنشودة

اليمن والنهضة المنشودة د.عبدالقوي القدسي

اليمن والنهضة المنشودة
              د.عبدالقوي القدسي

من وسط حُطام المباني المدمرة، والأشلاء المُمَزّعة، والنزاعات المحتدمة، والحرب المستعرة. من ثنايا الاقتصاد المنهار، والتعليم الفاشل، والانقسام الداخلي، والاستهداف الخارجي، ينبعث الأمل بنهضة اليمن .

برغم أنّات الثكالى، وصراخ الأطفال، وعويل الأمهات، وزفرات المكلومين، وآهات المظلومين، ومعاناة السجناء، والنازحين، وآلام المغتربين، بالرغم من هذا كله إلا أننا متفائلون بنهضة اليمن !!

أنا على يقين بأن عدداً ليس بالقليل من المتابعين سيُخاطبونني قائلين – ولهم الحق في ذلك – : لقد أسرفتَ في التفاؤل، واستغرقت في الأحلام، وتغلبَتْ عليك العاطفة، وبسبب غربتك عن الديار فأنت لا تعرف سوء الوضع، وحقيقة الأخبار!!

أليس من حقي أن أحلم بنهضة اليمن؟!
ذروني أسوق لكم ما يُعزز أحلامي :

★ لأهل اليمن رصيدٌ حضاري، ولا ينكر ذلك إلا جاهل لم يقرأ الجغرافيا ولا التاريخ.
كان الُملك في اليمن، وكانت الزراعة في اليمن، وكانت التجارة في اليمن، وكانت البلدة الطيبة هي اليمن، فأهل اليمن أهل حضارة، وإدارة وأهل مدنية ورجال دولة .

★ أهل اليمن هم أرق أفئدة، وألين قلوباً، فرغم كل الجراحات إلا إنهم سرعان ما يتجاوزن آلامهم، ويهيلون التراب على خلافاتهم .

★ أهل اليمن هم الأقرب إلى الفطرة، والأبعد عن التأثر بنفايات الحضارة المعاصرة، وهم الأقرب في تدينهم إلى روح الشريعة وحقيقة الإسلام.

★ بسبب الأحداث هاجر لطلب العلم آلاف، وحصلوا على أعلى المؤهلات في مختلف التخصصات، ومن أرقى الجامعات، واختلطوا بغيرهم، وتعرفوا على عدة ثقافات، وعرفوا كيف تدار الدول، وكيف تُصنع الحضارات.

★ بسبب الأحداث، وغياب الدولة، فقد تعلم اليمنيون كيف يديرون شؤونهم، ويتكافلون فيما بينهم.

إنني لأصاب بالدهشة والفخر معاً، وأنا أشاهد أبناء منطقتي – قدَس- وهم يشقون الطرق ويرصفونها، ويضيفون فصولاً دراسية إلى المدارس، ويؤسسون الصناديق التكافلية، ويحفرون الآبار ويقومون بافتتاح مشاريع لم تكن لتفتح أيام الاستقرار، ولعل هذا المشهد يتكرر في مختلف قُرى ومحافظات اليمن.

★ أهل اليمن أهل نشاط وحيوية، ولديهم الاستعداد للعمل فترة وفترتين، وثلاث فترات بهمة، واقتدار.

★ أهل اليمن أولو قوة وأولو بأس شديد في الحرب، وأهل صبر وعزيمة في السلم.

★ اليمن ، ارضها خصبة، ومناخها متنوع، وسواحلها ممتدة، وحضارتها ضاربة بجذورها في الأعماق .

★خاض الشعب اليمني تجربة ديمقراطية أفرزت سلبيات وإيجابيات، ولكن إيجابياتها أكثر، فلم يعد اليمني قابلاً لفكرة الاستبداد، ولم يعد لدى جيل الوحدة استعداداً للعيش تحت ظل إمامةٍ أو ملكيةٍ،أو وصايةٍ دولية أو إقليمية .

★ تحتفظ اليمن بثروات هائلة: بشرية ومعدنية، والثروة البشرية هي الأهم في إحداث النهضة، وبناء الحضارة .

★الأحداث الجارية المؤلمة ميزت الخبيثَ من الطيب، وأفرزت قيادات شبابية واعية، وكشفت أصحاب المشاريع السلالية والمناطقية، والأصدقاء والأعداء معاً، ولم يعد شيء خافياً.
★ انقطعت الكهرباء لساعات إثر إعصار كاترينا 2005 في أمريكا، وسُجلت مئات الآلاف من حالات السرقة والاغتصابات واعتداءات المواطنين على بيوت بعضهم البعض، بينما لا يحدث ذلك في اليمن ، وإعصار الأحداث ممتدٌّ لسنوات، فلا كهرباء، ولا محروقات، ولا خدمات!!

لسائلٍ أن يسأل : كيف سنتجاوز وضعنا الصعب، وظروفنا السيئة ؟ وأحوالنا المتردية ؟!

لقد دُمرت اليابان في الحرب العالمية الثانية، وكانت حقل تجارب للقنابل الذرية الأمريكية، وكذلك دمرت ألمانيا، فهل اختفت الدولتان من الوجود، أم إن اليابانيين والألمان أحدثوا نهضة فاقت كل التوقعات ؟!! وهكذا تفعل الشعوب الحرة، فتنهض بعد الكبوة.

لكل أزمة أو حرب أمَد، وللأمد انقضاء، ولن تستمر هذه الحرب اللعينة، ولن تُفلح قوى الخراب الداخلية، والخارجية في الوقوف أمام عزيمة الشعب وإرادته القوية.

إنني وكثير من أبناء اليمن رفعنا شعار (النهضة المنشودة) لنضع أيدينا بأيدي بعض، ونعمل على تحليل واقعنا، وتشخيص أدوائنا، ووصف الدواء الناجع لعِللنا، وبَعْث روح التفاؤل والإيجابية في نفوس قومنا .

ندرك -تماماً- بأن الطريق إلى النهضة ليس بالأمر الهيّن، وبالذات في الوقت الراهن، ولكن مشاريع نهضة الأمم تُصاغ في أحلك اللحظات، والتاريخ بذلك يشهد .

إننا نلمح نور الفجر يشرق على بلادنا وأمتنا، فيمحو ظلمة الليل الحالك التي خيمت على الأرجاء، ويبعث الأمل من جديد، فبعد العسر يسر، والأرض لله يورثها من يشاء .

لا يرتقي شعب إلى أوجِ العلا ، ما لم يكن بانوه من أبنائه، ولدى رجال ونساء اليمن القدرة الكافية على بناء الحضارة، وتحقيق النهضة المنشودة.
وإنّ غداً لِناظره قريب.

من وادٍ غير ذي زرع انبثق نور أعظم حضارات الإنسان، الإسلام، وعلى إِثْر معارك طاحنة وأوضاع مأساوية تحققت نهضة أوروبا، وبعد ملايين الضحايا في الحربين العالميتن الأولى والثانية تحققت نهضة عالمية وعمّت العالم أنوار التكنولوجية .
ومن رحم المعاناة سينهض أبناء اليمن، ويقودون زمام الحضارة، وليس ذلك على الله بعزيز .