التعلم المتمركز حول الطالب

التعلم المتمركز حول الطالب Student-Centred Learning  

التعلم المتمركز حول الطالب
          د.عبدالقوي القدسي

ليسمح لي قرائي الأعزائي أن أبدأ مقالي بجملة من الأسئلة والتي أرجو من  الجميع الإجابة عنها، ومن ثم وضع عديد من الاستنتاجات والتي هي المدخل لهذا الموضوع .

  • كم نسبة العمل الجماعي الذي يقوم به التلاميذ أثناء الحصة وما بعدها ؟
  • كم نسبة استخدام التكنولوجيا في التعليم والتعلم؟
  • كم نسبة الطلاب الذين فرزناهم حسب هواياتهم وقدمنا لهم دعماً يعزز تلك المهارات؟
  • كم نسبة كلام التلاميذ إلى المعلمين ؟
  • كم نسبة استخدام اختبارات الورقة والقلم مقارنة بغيرها من وسائل التقويم الحديثة؟
  • ما نسبة مراعاة التعليم للبيئة واحتياجات السوق والثقافة والمهارات الناعمة؟

 

بطبيعة الحال، قد تختلف النسبة من بيئة إلى أخرى، وتلك النسبة تزداد أو تقل بحسب قُرب أو بعد المؤسسة التعليمية من التعلم الحديث الذي ينظر إلى المتعلم على أنه هو محور العملية التعليمية، ويعيد رسم الأدوار بين المعلم والمتعلم والمحتوى أو المعرفة.

 

يشير مصطلح التعلم المتمركز حول الطالب إلى مجموعة واسعة من البرامج التعليمية وخبرات التعلم والمناهج التعليمية واستراتيجيات الدعم الأكاديمي التي تهدف إلى تلبية احتياجات التعلم المتميزة والاهتمامات والتطلعات أو  الخلفيات الثقافية للطلاب ومجموعات الطلاب الفردية. وبمعنى أبسط فإن التعلم المتمركز حول الطالب يقودنا إلى نقل مركز الثقل من المعلم والمتعلم ويصبح دور المؤسسات التعليمية تهيئة الظروف للمتعلم ليكتسب المعرفة ويشكل تصوراته ويعيد بناء المعرفة بنفسه، ومن هنا فإن الطالب يجب أن يشارك ويتحدث ويقوم بتطبيق المعرفة بنفسه .التعلم المتمركز حول الطالب

 

الحركة الزائدة للمتعلم في النظرة التقليدية للتعليم تُعد سلوكاً مخالفاً لأدب الحصة، فالطالب يجب أن يكون مستمعاً، وأن يلتزم مقعده،  ولا يكثر الحركة ولا يناقش أو يعترض أو يكثر من الأسئلة ، والمعلم هو الذي يتحدث كل الوقت ولا يسمح لغيره بالحديث إلا في إطار ضيق، وأما مناقشة الأفكار والسماح للتلاميذ إعادة بناء المعارف وتكوين الاتجاهات الخاصة بهم فهذا أمر محال، إذ إن الطالب عليه أن يحفظ وأن يكتب ما يُملى عليه، وليس عليه بعد ذلك سوى تسميع ما حفظ أو عرض ما كتب، ووفقاً لإجادته ذلك فإنه يصدر حكم بنجاحه أو فشله . لقد أنتج لنا التعليم التقليدي نسخاً مكرورة خاملة، مغرورة بما تتشدق به من معرفة محفوظة ، نسخاً لا تبدع ولا تنتج ناهيك عن أن تقدم شيئاً ذا بال !!

 

النظرة الحديثة تثير فضول المتعلم، وتتيح له فرصة تطبيق ما يتعلم، ومناقشة الأفكار التي تُعرض عليه، والتعليم الحديث القائم على أن المتعلم هو محور العلملية التعليمية تُكسب المتعلم مهارات البحث ولا تكتفي بتزويد الطالب بالمعلومة، بل ترشده إلى مصادرها وكيفية الحصول عليها. لتعلم المتمركز حول الطالب يزيد من اندماج التلاميذ ويعزز لديهم ثقافة العمل ضمن فريق، وينمي العلاقات الاجتماعية بين هم، ويشجع مشاركة المتعلمين ويضفي على الحصة الدراسية جواً من المرح والمتعة، وينمي الثقة بالنفس والقدرة على التعبير ، وينمي الدافعية للإتقان واكتساب الخبرات وليس مجرد حفظ المعارف. التعليم الحديث  يعزز روح المسؤولية ويهيء بيئة للإبداع.

 

ثمانية أشياء يجب البحث عنها في بيئة تعليمية تتمحور حول الطالب بحسب آراء بعض علماء ومنظري التربية [1] :

  1. درجة عالية من مشاركة الطلاب
  2. يعرف الطلاب ما يتعلمونه ولماذا
  3. مزيج من العمل الفردي والجماعي
  4. يستخدم الطلاب التكنولوجيا المخصصة للإنتاج والاستهلاك
  5. تتاح للطلاب بعض الفرص للعمل بالسرعة التي تناسبهم واستكشاف اهتماماتهم الخاصة.
  6. يقوم الطلاب بمعظم العمل والحديث.
  7. أشكال متعددة من التقييم والتغذية الراجعة وعروض التعلم
  8. يعكس التعليم والثقافة والبيئة ويكسب التلاميذ المهارات الناعمة

 

نظر جون ديوي  (John Dewey) ، عالم النفس والفيلسوف الأمريكي المتوفى سنة 1952، إلى التعلم باعتباره عمليةً اجتماعيةً وتجريبيةً. واعتقد بأن بيئة الفصول الدراسية التي تتيح للطلاب تعلم التفكير النقدي والمشاركة في حل المشاكل الحقيقية في العالم هي الطريقة المُثلى لمساعدة المتعلمين في الاستعداد للمستقبل[2]. كما أضافت أفكار كارل روجرز(( Carl Ransom Rogers، عالم النفس الأمريكي المتوفى سنة 1987، حول تأسيس الفرد الكثير إلى نظرية التعلم المتمركز حول الطالب، فقد كتب روجرز قائلًا: «الاكتشاف الذاتي هو أسلوب التعلم الوحيد الذي يمكنه التأثير على السلوك [والتعليم] إلى حد كبير»[3]. اعتُبرت ماريا مونتيسوري  Maria Montessori الإيطالية (31 أغسطس 1870- 6 مايو 1952) رائدةً في مجال التعلم المتمركز حول الطالب، إذ ركزت على تعليم الأطفال دون سن الدراسة من خلال التفاعل المستقل والموجه ذاتيًا جنبًا إلى جنب مع الأنشطة المُقدمة مسبقًا.

 

عودة إلى أسئلة المقدمة، وبدون مقدمات فإننا نستنتج بأن مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية ما تزال تعمل وفقاً للنظرة التقليدية للتعلم، ولا يجب أن نغتر بجمال المباني أو تلوين الكتاب المدرسي وغيرها من الشكليات التي لا تغير من حقيقة الأمور شيئاً .. إن ما تفعله معظم مؤسساتنا  التعليمية ما هو إلا تحسين للمبنى القديم بإدخال بعض التشطيبات على أجزاء منه، فالطلاء والأثاث وبعض التحسينات لا تغير من المبنى القديم وإنما تعمل على إظهاره بشكل أحسن، لتحيل تلك المباني إلى متاحف ومزارات ليسَ إلا!! تلك المتاحف بطبيعة الحال تلفت أنظارنا إلى القديم ولكنها لا تقودنا إلى المستقبل، وبذلك فإن مناهجنا التقليدية التي تكيّفنا معها وأصبحت كأنها جزء من مقدساتنا لا تعد الجيل للمستقبل وإنما تُعدهم للماضي التليد!!

 

إن التحول إلى النظام الحديث للتعليم وتطبيق النظريات التي تجعل من المتعلم محوراً للعملية التعليمية يقتضي تغييراً في كل عناصر العملية التعليمية، وتدريباً مستمراً لهيئات التدريس والعاملين في إطار مؤسسات التعليم، وعليه، فلا بد أن تعاد صياغة الأهداف، وتصميم المحتوى، وتغيير وسائل التقييم والتقويم التقليدية واستبدالها بالحديثة وتحسين بيئة التعلم ودمج التكنولوجيا بالتعليم، وإعادة النظر في السلم التعليمي برمته، أتحدث عن بلادنا وأخواتها !!

[1] https://annmichaelsen.com/2017/08/10/8-things-look-student-centered-learning-environment-getting-smart/

[2] https://doi.org/10.2307%2Fj.ctt9m0skc.5

[3] shorturl.at/ltAT9